ماذا نعني بالسنوات الخداعات؟
وكيف ستأتي على الناس؟
أولا: المقدمة
تحدث خطيب مكة المكرمة فضيلة الامام الشيخ عبدالرحمن السديس في خطبة الجمعة للحرم المكي عن وقوع السنوات الخداعات.
وكانت الخطبة في يوم الجمعة الموافق 10/ربيع الثاني/1444 هـ.
و بما أن شيخ الحرم المكي تطرق في الحديث عن وقوع السنوات الخداعات، سنوضح لكم وجهة نظرنا في الحديث الشريف الخاص بالسنوات الخداعات و نبين أبعاده.
ثانياً: الاستخلاص الفكري الخاص ووجهة النظر في حديث السنوات الخداعات
سنستعرض معنى الحديث الشريف ونوضح وجهة نظرنا فيه بالتفصيل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُوَيْبِضَةُ))، قيل وما الرُوَيْبِضَةُ يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
إن تمعنا بالحديث جيداً سنجده يتلخص في كلمتين فقط؛ هما السنوات الخداعات، أما باقي الحديث هو عبارة عن أمثلة عن تلك السنوات الخداعات.
في البداية علينا أن نتوقف عند كلمة سنوات، وسنوات تعني جمع كلمة سنة، والسنة هي رمزٌ للشدة في أحداث الأرض على الناس بالمطلق.
وأحداث الأرض هنا تشمل الكوارث (كالجفاف، الحروب، الجوع، التجمد، الزلازل، الفيضانات، الفتن) فكل شيء سلبي شديد يتعلق بكلمة سنة
ثالثاً: المقارنة بين كلمة السنة وكلمة العام، السنوات الخداعات
تقدر السنة بـ 12 شهراً، وكذلك العام يقدر بـ 12 شهراً، كل منهما يحتوي على نفس القدر من الفترة الزمنية.
والسنة تطرقنا لها فهي كما أسلفنا سابقاً ترمز لكل شيء سلبي شديد.
ولكن كلمة عام تعنى وترمز لما يتصف بالإيجابي والغوث أي الخلاص والرحمة من الله وهي عكس السنة تماماً.
و هناك أمثلة عديدة للرمزية منها (سورة يوسف)، ويتضح ذلك بين زراعة سبع سنين، وبين عام يغاث فيه الناس .
قال تعالى:((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ))
وقال تعالى:(( ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ))
رابعاً: كيف ستأتي السنوات الخداعات على الناس؟
نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (سيأتي)، أي أنها بعد زمن الرسول، وكلمة (سيأتي) تتحدث عن المستقبل.
كما أن كلمة (على) تفيد الاستعلاء، مثال على ذلك، أين القلم؟ أنه على الطاولة، أي أعلى الطاولة.
فهنا نستشف أن السنوات الخداعات على رؤوس الناس مكرهين مجبرين رغماً عنهم، بأحداث مسيرة وليست مخيرة، آتية لا مفر منها.
و مما لاشك فيه أن ذلك يعود ربطه بفساد ما يقوم به الناس، فيسير الله هذه السنوات الخداعات.
خامساً: سيأتي على الناس جميعهم ، وما نعنى بالخداعات؟
كلمة (الناس)؛ الناس وهو الانس، كل الناس المؤمن وغير المؤمن شاملة، كل (أنيس، إنسان، أنس) آتية عليه.
وسوف نتعرف لماذا ستأتي تلك السنوات على الكل شاملة؟
كلمة (سنوات) تم شرحها، وكلمة (خداعات)عندما نتطرق لها؛ نجد أن خداعات مفردها خدّاع أو خدّاعة، وتعتبر صيغة مبالغة، بمعنى كثير الخداع.
ما هو الخدع؟
ببساطة الخدع هو إتيان عكس المألوف والحميد من الأفعال، وليس فقط الانحراف عنها.
مثال على ذلك ركل لاعب كرة القدم ركلة جزاء، وقفز الحارس إلى اليمين، والكرة ذهبت إلى اليسار، فيقول المعلق هنا، لقد خدع اللاعب الحارس.
و كذلك فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، عندما خرج ووضع علي (رضي الله عنه) بفراشه خدع الكفار، وكان ذلك عندما اجتمعوا لقتله.
إذن الخدع هو تغير أصل الشيء بعكسه، ونلاحظ أن الجهاد واجب مقدس طاهر ذو أجرٍ عظيم، أصبح ارهاباً، والحجاب واجب وطهارة، أصبح مهاجم وعنوان للنجاسة والتخلف والرجعية.
كل شيءٍ من حولك يصبح عكس خادعٌ لك، الأمين يخون، والصادق منبوذ، الكذاب محبوب، المتدين أضحوكة، المسكين مستعبدٌ ومنبوذ، القوي إن كان كافراً أصبح محبوباً ويخافُ الناس منه.
سادساً: الاستنتاج الفكري للسنوات الخداعات
نستنتج هنا أن السنوات الخداعات؛ عكس للفطرة الأمرية لقوانين دنيوية بسيطة ، وهذا يرجعنا إلى (سورة التكوير)،
إذاً هي علامة من علامات يوم القيامة، لأن من علامات يوم القيامة عكس الفطرة الخَلقية، والسنوات الخداعات عكس للفطرة الأمرية.
اذاً أنت فُتح عليك باب من أبواب القيامة، بغض النظر الصغرى كانت أم الكبرى، لأن الكبرى لها أحداث مثبته.
فنقول أن الخداعات هي الحد الفاصل بين الصغرى والكبرى، التي تبدأ خلالها انعكاس الفطرة.
كما في الجبال سيرت، والعشار عطلت، والشمس كورت، … إلى آخره من أحداث، جميعها علامات للكبرى،
و السنوات الخداعات هي بداية البداية لأحداث جديدة الله أعلم بتوقيتها.
سابعاً: عليك أن تعلم
أن من الممكن أن تمتد السنوات الخداعات خلال فترة زمنية تقدر بألف عام، وربما أكثر أو أقل من ذلك.
ولكن عليك أن تعلم، أنك مُعرض للخداع بأي لحظة وأي وقت خلال هذه السنوات.
و ذلك بسبب أنك في الخداعات، وهي كلها أمورٌ اجتماعية، فلم يتحدث لك الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن أمور دينية فقط.
على سبيل المثال؛ فالخائن يُؤمَن، والأمين يُخَون، وهي حالة اجتماعية، كذلك الكاذب يُصدق، والصادق يُكذب، وهي أيضاً حالة اجتماعية، فكلها تتحدث عن مجتمع معاكس للأوامر الخَلقية.
ثامناً: تساؤل علينا أن نتفكر به
يبقى التساؤل لأمرٍ واحدٍ، أمرٌ علينا التركيز والتمعن به…
إن بدأت السنوات الخداعات، وكما ورد في الحديث لم يحددها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنها فترة زمنية مؤقته، فهي باقية معنا حتى عودة المسيح عليه السلام.
وقد تتساءل؛ لماذا عودة المسيح في آخر الزمان، وأيضاً عودته ليست في وسط الزمان، أو حتي بعد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مباشرةً؛ ببساطة لأن عودة عيسى (عليه السلام) تمثل أيضاً انعكاس الفطرة الخَلقية والفطرة الأمرية.
ولأن من الطبيعي لا عودة لمن هم في السماء، ولكن تعتبر علامة من علامات القيامة التي هي عكس الفطرة الخَلقية، فيأتي لك عيسى (عليه السلام) ليكون جزء من العلامات، وجزء من الانعكاسات الفطرية.
الله أعلم و أحكم
ثامر 🌷🌷
لمزيد من الاطلاع: شاهد الفيديو التالي: