ماذا يقصد بالعهد والوعد؟
أولًا: المقدمة
إن سورة الاسراء تتكلم عن الوفاء بالعهد والوعد…
قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الآية رقم (34) من سورة الإسراء
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا، لا تعاهدوا صغائر وكبائر العهود فهي مسؤولا، مهم جدًا…انتبه لما تتعهد به.
لتوضيح العهد والوعد في سورة الاسراء،سنوضح لكم أمر مهم وهو أن هنالك ما يعرف بالعهد وأيضًا ما يعرف بالوعد.
وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا الموضوع …
وسنبين العلاقة الترابطية بين العهد والوعد، ونتطرق للحكم الشرعي لهما، ونعرض وجهة نظرنا وشروحاتنا الخاصة للعهد والوعد وهي ليست فتاوى شرعية.
ثانيًا: العهد ،(العهد والوعد في سورة الاسراء)
العَهْد يُقصد به العُهَد، ونعني هنا كل صغائر وكبائر الأمور في العهود، والعهد هو الشيء الضمني المادي أو حتى اللفظي، الذي تتملكه من شخص ما وتحافظ عليه.
1) العهد المادي
كما نحن نطلق عليه بالعامية كلمة العُهْدَة، لذلك نقول أن هذه العُهْدَة باسم فلان فهو مسؤول عنها، وهو مؤتمن عليها.
و لتوضيح العهدة بالنسبة للأمر المادي؛ هو أن تمتلك شيء من أحدٍ ما، وعليك أن تحافظ عليه في حال كتبت بينكم أوراق للعهدة أو لم تكتب أوراق.
على سبيل مثال شخص يريد أن يسافر أو يذهب لمشوار ما، فقال لك سأترك سيارتي عهدة لديك فأحرص عليها.
فوافقت أن تكون مسؤول عنها،إذًا لابد لك أن تحرص على سيارته حتى عودته من السفر أو من مشواره.
أو ائتمنك على مبلغ من المال، كألف دولار سيتركه عهدة معك لا يريد الذهاب للعمل ومعه المبلغ، فتركه لديك حتى عودته.
فيصبح ذلك المبلغ عهدة لديك، عليك المحافظة عليه فأنت المسؤول عنه.
2) العهد اللفظي
و لكن إن أردنا أن نتمعن في بعض المسائل ونجتهد أكثر، سوف نلاحظ أن غير المسائل المادية الملموسة، يوجد أيضًا مسائل غير ملموسة.
كمثال على ذلك؛ عندما أخبر أحدًا ما سرًا عني، والسر ما هو إلا كلمات، فتصبح تلك الكلمات لديه في عقله.
على الرغم من أننا دائمًا ننصح أن لا تفشي أسرارك لأي أحد على وجه الأرض.
ولكن من الممكن أنه قد ثَقُلت عليك الهموم، وأردت أن تزيحها عن كاهلك، وتفرغها على شكل أسرار لدى أحد ما.
أو أخبرته أسرارك الخاصة وقلت له لا تخبر بها أحد، فتصبح هذه الأسرار عهده لديه.
قد دخلت في العهدة اللفظية، فلا يجب أن يفضح أسرارك وعليه أن يتحمل مسؤولية الحفاظ عليها.
ثالثًا: الوعد،(العهد والوعد في سورة الاسراء)
الوعود هي الأمر المستقبلي الذي تتحدث به وتريد القيام بفعله، بغض النظر إن كان الوعد مادي أو كان معنوي.
الوعد هو أن تَعِد شخص بعمل شيء ما، مثال على ذلك أن تعد ابنك، إذا نجح في المدرسة بأن تشتري له كرة سلة، هذا وعد مستقبلي.
أو من الممكن دون عملية المقايضة، فتخبر ابنك أن الأسبوع القادم سوف تشتري له كرة السلة أو لعبة.
دون مقابل فيعتبر ذلك وعد و أمر مستقبلي أنت تنوي القيام به.
فالوعد هو أمر مستقبلي وعدت به أحد ما أو صديق أو إلى آخره من الأفراد.
والوعد هو الشيء الذي لم تملكه بعد أو لم تفعله بعد، لكنك تنوي فعله مستقبلًا.
كما بإمكانك تحديد فترة زمنية لتنفيذ وعدك، أو بإمكانك أن لا تخصص له زمن وتجعل تنفيذه غير مقيد بفترة زمنية.
رابعًا: العلاقة بين العهد و الوعد،(في سورة الاسراء)
ومن وجهة نظرنا، إن الوعد هو ما يتكلف به الإنسان, فيكلف نفسه للقيام بشيء ما، فالوعد كذلك لا يقل كثيرًا عن العهد في الدرجة والأهمية.
ولكن العهد ذُكر بشكل مباشر، أما الوعد بالجانب العقلاني بعيدًا عن الجانب الديني وعن ما ذكر في القرآن.
فإنك عندما توعد إنسان بالقيام بأمر ما ولا تقوم به، فأنت تخذل هذا الإنسان، خاصةً إن كان ينتظر منك هذا الوعد.
فالوعود لا تقل كثيرًا عن مسألة العهود، ولتعلم أن هناك وعود كثيره في الدين الاسلامي.
كوعود الآخرة مثل الحساب سيذهب الإنسان للجنة أو في النار، و مسائل أخرى كثيرة من الوعود، لن نتطرق لها حتى نتجنب التشعب في الشرح.
والوعد ضمنيًا هو شعبه صغيرة؛ تندرج من شعب العهد، فعندما أنت تقطع وعدًا لإنسان، أو ائتمنك الإنسان على شيء ما، فعليك القيام به ليس فقط أن تمتلكه وتخزنه لديك، ولكن أصبح لديك مسؤولية الوفاء في هذا الوعد، حتى لا تُخيب ظنَّ من قطعت له الوعد.
بالإضافة إلى أن العهد يوجد به قليلًا من الوعود، بمعنى أن الوعد هو الالتزام بالقيام بأمر ما .
وبعيدًا عن الجانب الديني كما أسلفنا في السابق وما ذكر بالقرآن.
فلكل عهدٍ وعد ولكل وعدٍ عهد، تشعر أن بينهم اختلاط بسيط بالنسبة للوصول إلى النتيجة، التي قمتم بتحديدها ما بين الوعد وما بين العهد.
خامسًا: الوعد والحكم الشرعي
هنالك اختلاف بين الأئمة بالمطلق، فلا يستطيع أحد أن يعطيك حكم شرعي مطلق في الوعد، وذلك لأنها مسألة مستقبلية.
فإذا أمعنت النظر في الوعد وأقسامه الدينية ستجد في اختلاف شرعي ما بين الوجوب بالقيام به وما بين عدم الوجوب، ويعود ذلك لمسألة التقدير.
كما تجد البعض يقول إن كنت تستطيع القيام به، وخذلت الموعود فيه فأنت هنا تحمل إثمًا على عدم الوفاء بوعدك.
أما البعض الآخر يقول أنك غير مضطر، وقد يقع عليك مسألة دنيوية فلا تستطيع أن توفي بوعدك، فلا تؤثم.
ولكن يلزم بك القيام بوعدك فيما بعد، وإذا لا تريد القيام به فالأمر عائدٌ إليك، فهو ليس نذرًا لتؤثم عليه.
ونوضح اختلاف الحكم الشرعي بين العلماء في مسألة الوفاء بالوعد، يقع ما بين (الواجب) وما بين (المستحب).
وكلا الجانبين من الحكم يضعك في الدرجة الايجابية العالية وليس في درجة المكروه أو الحرام.
وهذا يعني أنك ما بين (الواجب )، والواجب هو أن تقوم بعمل ما فتؤجر عليه وإن تركته تؤثم.
وما بين(المستحب) وهو أن تقوم بعمل ما فتؤجر عليه وإن تركته لا تؤثم.
فكانت مسألة الاختلاف فقط في إن تركته تؤثم أو لا تؤثم، لكن بغض النظر عليك القيام به مهما كان الاختلاف في الحكم.
سادسًا: الرأي الخاص في مسألة الوعود
قد نجد أن هنالك اختلاف في الحكم الشرعي، لكننا نوصي إن كنت تستطيع القيام بالوعد؛ فيجب عليك القيام به، ليس واجبًا دينيًا بل واجبًا اجتماعيًا.
فلا نصل لدرجة الوجوب الديني أي أنك قد تؤثم في حالة عدم الوفاء بوعدك، فهذا أمره عند الله عزّ وجّل.
و لكن إن كنت تستطيع القيام به، فلا تخذل من هو أمامك على الأقل من الناحية الاجتماعية.
و ذلك لكي تبقى الثقة موجودة بين الأفراد في المجتمع، لأن الدين الإسلامي حثَّ على تبادل الثقة بين أفراد المجتمع.
كما قد تعتبر مخطأً إذا كنت قادر على الوفاء بالوعد ولم تفي بوعدك، فالإنسان لا يقطع على نفسه وعداً إلا أن يكون قادرًا عليه بإذن الله عزّ وجّل.
سابعًا: الوعد والعهد يكون بين طرفين أو أكثر، والمدة الزمنية للوعود
عندما يضع الإنسان خططًا له، على سبيل المثال غدًا سوف أقوم بفعل كذا وكذا، فلا يعتبر ذلك وعدًا.
فالوعد والعهد يكون بين طرفين أو عدة أطراف، وليس القيام بالمهام ( يهم بالقيام بالشيء) يعتبر وعدًا أو عهدًا.
فعند قولك غدًا إن شاء الله سوف أذهب إلى السوق لأشتري شيء ما ولم تذهب، فهذا ليس وعد وليس عهد، هذا أمرٌ بينك وبين نفسك.
أما عند قولك غدًا سوف أذهب مع شخص ما وأشتري له قميصًا، هنا أنت قطعت وعدًا لهذا الشخص وأبلغته بأن غدًا ستذهب لتشتري له القميص هنا أصبح لديك وعدًا لأمر مستقبلي.
فهنا يستحب لك القيام بما وعدت فيه، والبعض أشار إلى أنه يجب عليك بأن تفي بعهدك.
وفي حال حدوث ظرف ما لك ولم تستطع الذهاب أو الوفاء بوعدك فعليك الاتصال بصاحب الوعد، والاستئذان منه في تأجيل الإيفاء بوعدك في يوم لاحق.
ويستحب في الوعود عند تقديمك مساعدة أو أمر ما لشخص، أن تحدد له الفترة الزمنية لإنجازه، ولا تتركه معلق.
ثامنًا: الوعد والعهد، و النذر
اختلاف الوعد والعهد عن النذر، فالنذر هو أن تطلب من الله أمر ما، والنذر يخرج من قلوب البخلاء.
على سبيل المثال؛ أن تقول يا رب إذا تم زواجي سأذبح خروفًا للفقراء، هذا يسمى نذر.
فإن وقع لك الزواج ، وجب عليك فعل النذر وإن لم تفعله تؤثم.
فهناك فرق بين النذر و الوعد المستقبلي، أن الوعد المستقبلي يكون بين شخصين، يراقبه الله عزّ وجّل.
والوفاء بالوعود أمر مستحب ويصل إلى درجة الوجوب عند البعض كما أوضحنا في السابق.
لكن النذر هو أن تطلب من الله، فهنا تكون علاقتك مع الله وطلبك لله، فتقول مثلًا يا رب إن أعطيتني كذا فعلت لك كذا، وهو مكروه في الدين.
فأنت تنذر لله تعالى، ولكن إن وقعت في مسألة النذر أصبح عليك واجب الايفاء بما نذرت.
وإلا سوف تؤثم من الله عزّ وجّل، لأنك صنعت عهدًا ووعدًا بينك وبين الله سبحانه وتعالى.
و بما أن النذر مكروه، فعليك أن تفي بوعدك وعهدك لله؛ حتى لا تقع بالإثم فتتقرب لله عزّ وجّل، و تقدم الصدقة أو فعل الخير الذي نويت فعله.
على سبيل المثال تقول أريد ان أذبح خروفًا، وأوزعه على الفقراء لحاجتي بأن يزوج الله عزّ وجّل ابنتي.
هنا أنت قدمت الخير والصدقات فتتقرب إلى الله في هذه الصدقة، والله سبحانه بإذنه هو من يستجيب.
النذور المكروة،والنذور بالمحرمات
وقد تجد البعض يعاهد على نفسه في أمور من الأصل هي مكروهة.
فيقول البعض سأنذر لله إن تزوَّجت ابنتي سوف أرقص عاريًا في الشارع.
أو أمشي من المنزل إلى المسجد حافيًا، أو أذهب إلى منطقة أخرى مشيًا على الأقدام.
يحمل نفسه أشياء ووزر لا خير فيها، كذلك يجب عليه أن يوفيها، حتى وإن كانت في الشر، إلا في المحرمات.
كقوله مثلًا نذرت لله إذا تزوجت ابنتي سأشرب الخمر، هنا يسقط الفعل الأكبر، أي الإثم الأكبر وهو شرب الخمر.
ولكنك تؤثم على النذر وعدم فعله، فالإثم يقع عليك من الجهتين، في عدم فعل النذر وكذلك في فعله.
فهو من الكبائر وإثمه عظيم، لذلك عدم الوفاء بالنذر هنا أخف إثمًا من الوفاء به.
تاسعًا: الخاتمة،(العهد والوعد في سورة الاسراء)
الوفاء بالوعد من أخلاق الكرام، فلا تكن بخيلًا مع نفسك ومع الأخرين، فإن وعدت فأصدق فإن الصدق نجاة الإنسان.
وكذلك يكون فيه تبادل الثقة مع الأخرين، وفيه اصلاحٌ للمجتمع، وبناء مجتمع وفيٌ أمين.
الله أعلم و أحكم
ثامر 🌷🌷