المقدمة :
آلية عمل النفس البشرية، مكانها، ومتطلباتها، هو ما سنتطرق له في مقالنا التالي في سلسلة النفس البشرية الجزء ٢
حيث تحدثنا في المقال السابق، ماهي النفس وما أنواعها ؟ ( سلسلة النفس البشرية ١)، عن النفس البشرية وأنواعها ومن المتحكم فيها، تمهيداً لذكر مكان النفس وماهي متطلباتها
وذلك من خلال دراساتنا لآيات القرآن الكريم، ومن وجهة نظرنا الخاصة .
أولاً : مكان النفس
بدايةً وكما ذكرنا في الجزء الأول من سلسلة النفس البشرية، أن الفؤاد هو من يعطي الأوامر للقلب والعقل ( الفؤاد=الضمير )
على سبيل المثال ؛ الغريزة الجنسية، أمر سوء يطلقه الفؤاد للعقل، ويذهب العقل لإعطاء أمر الزنا مقابل المال مثلاً، أو اغتصاب، أو مشاهدة فيلم إباحي
هنا أنت تكون دمية بين عقلك وبين فؤادك، ولا نقول قلبك
لأنه من الممكن أن يكون القلب مؤمن بالله تعالى ولم يختمه عزوجل
يخرج القلب هنا من الحسبة
تجد مكان النفس هنا مرتبط بين جزئين الصدر والرأس، متمركزة بهذهِ النقطة
لأن الشعور الذي تشعر به من خير أو شر، يكون حائم بين الصدر والرأس، وليس القدمين
مثال على ذلك، لو أصبت بقدمك، ووقع ضرر بالقدم تبقى الأمور جيدة من ناحية العقل والشعور
لكن بالصدر أو الرأس أو توقف العقل (الجنون)، تفقد هذا الحس كله
فالنفس لو كانت بكل الجسد لتوقفت عن العمل لحظة بتر قدم أحد مثلاً
لكن إن بترت رأس أحد، يفقد حياته تماماً، لأن النفس هنا توقفت عن العمل
المجنون لا يحاسب لا يوجد نفس تامره، فقَدَ حلقة الوصل بين القلب والعقل
تُلاحظ دائماً، الاحساس بالمشاعر سواءً السلبية منها أو الإيجابية، يكون في هذهِ المنطقة، مابين الرأس والصدر، وأي خلل عضوي في هذهِ المنطقة، يؤثر بشكل أو بآخر على الصحة النفسية والعقلية للأنسان .
ثانياً : النفس اللوّامة
بعد أن عرفنا مكان النفس في الجسد، وقبل أن نتطرق لمكون هذهِ النفس، لابد أن نتحدث بإسهاب قليلاً عن النفس اللّوامة (أحد أنواع النفس)
وهي النفس المتوسطة، تأتي بين النفس المطمئنة، والأمارة بالسوء
عندما تطرقنا في الحديث سابقاً، ( مقال النفس البشرية ١)، عن النفس اللوّامة، ذكرنا أنها تأتي لتُصحح مسارك، و تردعك عن ارتكاب الخطأ والمعاصي والمحرمات
ولكن، هي كذلك من صفاتها أيضاً عدم الشبع، عندما تقوم بتصحيح مسار نفسك اللوّامة واعطائها المعاني الحقيقية لدربك وطريقك وتريد الثبات عليها
تأتيك وترجعك إلى حب المجهول
ومن هنا ندخل إلى المحور الثالث، وهو مكون ومتطلبات النفس البشرية
ثالثاً : مكون النفس البشرية
قال تعالى في سورة الانفطار :
تجد في الآيات الكريمة السابقة، الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة ( رَكبَّكَ )
والتركيب يعني إضافة شيء بشيء بعملية التكوين والبناء
واستخدم الله جّل وعلا، التركيب لإظهار إعجاز الفطرة السليمة التي ركبها فيك
بمعنى آخر، حتى لو لم تكن مسلم أو مؤمن، فطرتك الأساسية تجعلك نابذ للسرقة، نابذ للمخدرات، نابذ للقتل
فركب تعالى، الفطرة ثابتة، ثم بعد ذلك ركب لك النفس البشرية، وجعل لك قرينًا وشهيداً
أي أن الله عزوجل، دمج مجموعة من المركبات المختلفة، ليخرج لك عنصر الإنسان (مصطلح بعلم الكيمياء)
انظر معنى المركب في علم الكيمياء
لذلك استخدم كلمة تركيب
إذاً أنت مجموعة مركبات مختلفة وعناصر، منها الملموس ومنها الغير ملموس
ونتيجة تفاعلاتها، هو أنت
في القرآن الكريم كله لم يقسم الله بالإنسان، بل كانت لغة العتاب والشدة عليه
(( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) )) سورة عبس ( لغة الإذلال )
بالمقابل قسم الله تعالى، بالاشجار والحيوانات
لأنه سبحانه، يعلم نفوسهم ثابتة، وكان يخرج من الإنسان إلا المؤمنين والمصلين
ولكن، هل وصلت إلى الإيمان الصافي واقتناع الصلاة الصافية ؟ أم أنها عادة اجبارية ترعرت عليها ؟
يعلم الله ما في نفوسكم ولا تعلمون ما في نفسه
رابعاً : متطلبات النفس البشرية
قديماً كان البشر ينتظرون التكنولوجيا ويبحثوا عنها، والآن اصبحوا يبحثون عن الكلاسيكية
نستخلص نظرية في علم النفس، الجزء المفقود مطلوب
يكمن السؤال ؛ لماذا هذه النظرية تصيب الجميع دون استثناء ؟
لكن تختلف المستحبات والمستويات بتفاوت من شخص لآخر
يعود ذلك أن النفس البشرية ليس لها حدود بالمتطلبات
فالطبيعي أن تبقى تطلب، وغير الطبيعي أن تتوقف عن الطلب
على سبيل المثال ؛ في خلق الله تعالى، حتى لو كانت نار جهنم تقول هل من مزيد
هنا تستنتج أن حب الشيء لا يُشبع منه، فأصل خلق النار الزيادة والانتشار والتوسع، وبلع ما يسقط بها وحرقه فلا تشبع
كذلك النفس البشرية
خلقها الله بمتطلبات لا تتوقف عن السعي للحصول إليها ، منها الخير ومنها الشر، ومنها للمتعة والهوى
ليس من الشرط أن تكون متعتك بالشر، فهناك متعة للنفس خير
فهناك من يستمتع بالسباحة مثلاً، وهناك من يتمتع بالشر كذلك
فكلا الحالتين يجب عليك السيطرة على نفسك والكف عن الافراط بالشيء
فكثرة السباحة تجهد الجسد بعد وقت معين، والتقليل منها تدخلك بحالة الطلب المتزايد
لذا يجب عليك السيطرة بالمطلق على كل شيء ترغبه وكل شيء تطلبه ولا تجعل الهوى يسيطر عليك
فالنفس في بعض الأحيان تُهلك صاحبها، لها متطلبات لا تنتهي
الخاتمة
بعد أن عرفت ماهي النفس البشرية، أنواعها، مكونها ومتطلباتها
عليك عزيزي أن تتحكم وتسيطر عليها، بمعنى آخر عليك أن تتصالح معها وتطورها
وهذا ما سنتطرق لها بإذن الله تعالى في المقال القادم من ( سلسلة النفس البشرية ٣ )
الله تعالى اعلم واحكم
ثامر 🌷🌷