المقدمة
في مقالنا التالي، سنذكر آلية وكيفية تنظيف الفؤاد، ولكن! وقبل ذلك، هل الفؤاد يُنظف ؟ ولماذا ؟
لابد وأنه مر عليك عزيزي القارئ من يقرأ أو يستمع للقرآن الكريم، ولا يتأثر به، ياترى ما السبب في ذلك ؟
ومن المسؤل عن التأثير بأي شكل من الأشكال، بآيات القرآن الكريم ؟ هذا ما سنتطرق له ونطرحه في مقالنا
بالإضافة إلى آلية تنظيف الفؤاد، وذلك من وجهة نظرنا الخاصة
أولاً : التأثر بالقرآن الكريم
يكمن الحديث عن التأثر بقراءة كلام الله -سبحانه وتعالى-، المنزل على رسوله أو الاستماع له، استناداً على ما جاء في القرآن الكريم من آيات عديدة، تم ذكر فيها أهمية قراءة القرآن، وتلاوته والاستماع له، والتدبر في آياته
والذي جعل الله -جلّ وعلا-، فيه شفاءٌ للناس كذلك
ففي قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
- { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) } سورة الأعراف
- { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } سورة الأنفال
- أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُفَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿١٦ الحديد﴾
- لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١ الحشر﴾
- اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ (الزمر: 23).
ولكن ! تجد أن هناك من يقرأ أو يستمع لآيات القرآن الكريم، ولا يتأثر بكلمات الله -تعالى-، فما السبب في ذلك ؟ و ماهو الشيء المسؤل عن هذا التأثير ؟
نلاحظ في الآيات الكريمة السابقة، تم ذكر في أكثر من موضع، ارتباط الخشوع والتأثر عند سماع القرآن أو تلاوته، بالقلب والفؤاد
وعليه، فإن الشيء الذي يتأثر بكلمات القرآن الكريم، هو الفؤاد، انظر مقال/ما يجب أن تعرفه عن القلب والفؤاد
وفي قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٢٣)} الفرقان
حسناً، إذا كان الفؤاد هو من يتأثر بالقرآن الكريم، ما السبب في عدم تأثر البعض به ؟
ثانياً : سبب عدم تأثر الفؤاد بالقرآن الكريم
للإجابة على هذا السؤال عزيزي القاريء، نعطي مثالاً تشبيهي للتوضيح
لو شبهنا الفؤاد على سبيل المثال، بقطعة قماش ناصعة البياض، عند إهمالها ومع مرور الوقت سوف تصفر، وتتلطخ سريعاً بأي أوساخ تقع عليها
وكلما زاد الإهمال، كلما زادت البقع وتراكمت عليها، واصبحت ذات منظر غير محبب، كما وسوف يصبح من العسير تنظيفها وإرجاعها كما كانت
في هذه الحالة، تقوم باستخدام جميع الطرق التقليدية و المتاحة، لتنظيفها وإرجاع قطعة القماش لبياضها الناصع ومنظرها الجميل المحبب
كذلك الفؤاد، عندما يتسخ و يتلوث، بالمعاصي والذنوب، والابتعاد عن الله -جلّ وعلا شأنه-، يصبح على هذا القلب أو الفؤاد غلف، فيقل أو ينعدم تأثره أو فهمه، لآيات القرآن الكريم
لذلك لابد من تنظيف الفؤاد
ثالثاً : كيفية تنظيف الفؤاد
حتى ينظف الفؤاد وترق القلوب، لابد من عمل وتطبيق التالي :
- اعطاء الصدقات بكل أشكالها
- تعلم وقراءة الشروحات الدينية القرآنية (تفسيرات آيات القرآن الكريم )، لتعلم حجم الكتاب الكبير الذي بين يديك
- مساعدة الآخرين لمرضاة الله وليس رياء أمام الناس ( إخلاص النية لله وحده فقط )
- الصيام، انظر مقال/” وإذا العشار عُطّلت ” ما المقصود بالعِشار ؟ وما هو ميثاق سيدنا موسى عليه السلام ؟ وهل له علاقة بمعنى ” العِشار ” ؟؟
- الاستيقاظ قبل صلاة الفجر لقراءة صفحات من القرآن، والصلاة ركعتين خالصة لوجه الله، ابتغاء مرضاته والتقرب إليه
- الدعاء والإلحاح فيه
من المهم اجبار النفس على السير لمجاهدة النفس، حتى لو وجدت بدايةً أن عملك هذا غير مؤثر بفؤادك، استمر
إن في الاستمرارية والإلحاح، تصل لتعديل لا شعوري في فؤادك
وهنا نقول، تمسك بعباءة الإيمان حتى لو كانت مرقعة
كل خلق مخلوق، مرت عليه مساعدة من الله -جلّ وعلا-، بموقف محرج لم يكن يعلم كيف حلّت مشكلته، وكيف ستر الله عليه مصيبته، أو ضيقته، إن كان صغيراً أو كبيراً
كون علاقتك مع الله، وكأنك تراه وأجعله خليلاً لك، سوف يكون أفضل صديق لك، يساعدك دون أي مقابل، ولا تكون كالذين في قلوبهم مرضٌ (سنتطرق لهذا الموضوع لاحقاً في المقال )
الله يحب الإلحاح، إلحاح عبده بكلامه معه، يسمعك مرة ومرتان وخمسة وألف مرة، عند إلحاحك ينظر إليك ثم يقربك إليه
ولا يكف وجهه عنك، لهذا ارفع درجتك عند الله -العلي القدير-، واستجب له ليستجيب لك الحي القيوم
رابعاً : استجابة الله لعباده
قال الله -سبحانه الأعلى-، في العديد من آيات الفرقان، أنه قريب يجيب دعوة الداعي، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، كما ذكر -العلي القدير-، في قصص الأنبياء -عليهم السلام-، كيف استجاب الله لهم
وهنا نذكر بعض من آيات القرآن الكريم، والتي جاء فيها ذكر استجابة الله تعالى، لعبادة
بسم الله الرحمن الرحيم
- وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿١٨٦ البقرة﴾
- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿٩ الأنفال﴾
- قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٨٩ يونس﴾
- وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦ الأنبياء﴾
- فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴿٨٤ الأنبياء﴾
- فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨ الأنبياء﴾
ولكن من خلال الآيات الكريمة السابقة، تلاحظ و تستشف، أن هناك سبب أو شرط، للاستجابة
كما جاء في الآية (١٨٦) بسورة البقرة،{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}، وكما جاء كذلك في دعاء الأنبياء -عليهم السلام-، فبعد استجابتهم لله والدعاء له، تم استجابة دعائهم من الله -عزّ وجلّ-.
ونتيجةً لذلك، فإن من أسباب وشرطية استجابة الدعاء، التوجه بالدعاء لله وحده، والإيمان به، والإلحاح كذلك في الطلب والمناجاة والدعاء
بمعنى آخر، فليستجيبوا لي استجب لهم
والجدير بالذكر كما أشرنا سابقًا، أن من أهم الأمور لتنظيف الفؤاد، الاستمرارية في العمل، حتى يرى الله صدقك وعزمك في مجاهدة نفسك، واصلاح فؤادك، وتقربك إليه
فعلى سبيل المثال، إن كان لديك موظف سارق، وأتى وقال لك اعطني فرصة، أريد التوبة، تقول له حسناً سوف أرى وأحكم، لا تساعده ولا تؤذيه، فقط تنتظر عمله، هل بالفعل تغير؟ هل بالفعل عازم وجاد؟ هنا إن تغير تبدء بمساعدته، وإن عاد للسرقه تكف وجهك عنه وتطرده من محيطك
وذلك لأنه في مرحلة صراع، بين عناد الشياطين، واختبار الله تعالى، هي فترة زمنية قد تطول قليلاً، ولكن عند نظر الله تعالى، للعبد وعمله وصبره وثباته وصدقه، يأتيه الله سبحانه من فضله
خامساً : مرض القلب والفؤاد
كذلك من مسببات عدم التأثر عند قراءة القرآن والاستماع له، مرض الفؤاد أو القلب، انظر مقال/هل كُلّ مَن يرى يُبصر؟ ومَن يسمع يُطيع؟ وما البصيرة؟
ولكن ! كيف يعلم الشخص أن في قلبه مرض ؟
إذا لم تخاف الله كأنك تراه وكأنه أمامك، الخوف هنا ليس ترهيب، بل تحفيز للقيام بأفضل الأخلاق
على سبيل المثال، يكون الموظف بالعمل في تململ، ولكن عندما يأتي المدير الخاص به ينظره، تجد الموظف استقام وأصبح أسرع، ويقوم بأفضل ما عنده من الإنتاج، أو أداء لمهامه
كذلك أنت، يجب أن تعلم أنك مراقب في جميع الأوقات، لذلك عليك تقديم أفضل ما لديك من مكارم الأخلاق ( الكلمة الحسنة – الحركة المتواضعة – النظرة المطمئنة لمن حولك )، قدم الخير لتجد الخير
ختاماً
إن جزاء الاحسان هو الاحسان، لذلك إفعل الاحسان ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليس مرضاة للخلق
ليكون الله معك بعملك، وإن كان الله معك بعملك، ثق تماماً أنك لن تخسر أبداً بإذنه تعالى
ولأن الله تعالى، جعل في القرآن الكريم، التعاليم التشريعية، واعطاك النواهي والأوامر التي تجعلك تستقيم، وفيه نهج حياة كامل
كما من يتدبره ويتلوه ويتعلمه، يؤتي الحكمه من الله، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً
فإن قرأته أو استمتعت إليه، ولم تتأثر، فالمشكلة في فؤادك، وبالتالي لابد من تنظيف هذا الفؤاد
ثامر 🌷🌷
الله أعلم وأحكم
المصدر : محبين الفلك والجفر مع ثامر
انظر مقال/الديانات السماوية