المقدمة
هل لكظم الغيظ وصلاح النفس والاحسان علاقة ببعضهم البعض؟
وبعبارةٍ أخرى، ما تأثير كظم الغيظ على النفس، وما علاقته بالاحسان؟
نجيب عزيزي القارئ، ومن خلال دراساتنا الخاصة في آيات القرآن الكريم
على تلك الأسئلة، ونطرح اجابتنا من وجهة نظرنا في المقال التالي
أولاً : كظم الغيظ وصلاح النفس
ذُكر كظم الغيظ في سورة آل عمران آية (١٤٣)، حيث قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
سورة آل عمران
فما هو كظم الغيظ؟
نأتي أولاً بمعنى كل كلمة على حده، فمعنى ( الكظم ) في اللغة : هو الكتم أو الحبس، كذلك الاخفاء الشديد والامساك على مافي النفس
أما ( الغيظ ) معناها في اللغة : الحنق والغضب الشديد، كذلك سخط الشخص من اساءة يلحقها أحد به
وعليه، نستطيع شرح ( كظم الغيظ ) بأنه كتم واخفاء الغضب الشديد والسخط من الاساءة الملحقة من الآخرين في النفس
وبعد معرفة معنى كظم الغيض، فما علاقته في النفس وصلاحها؟
شرحنا في مقالات سابقة عن النفس وكل ما يخصها، وتطرقنا عن التصالح مع النفس وأهميته كذلك،التصالح مع النفس وتطويرها ( سلسلة النفس البشرية ٤ )
ولكن ! ما سنلقي الضوء عليه هنا، هو الصلاح و( عباد الله الصالحين )
إن صلاح الإنسان يبدأ بصلاح النفس، وطيبتها ومكارمها، بمعنى آخر، يكمن بما تحمله في صدرك وليس ما تظهره للآخرين فقط
لذلك، يطلع الله -جلّ وعلا-، على الأفئدة، ومافي النفوس والنية
ومن علامات الصلاح : طيبة القلب – المسامحة – عدم التكبر – الحلم – كبح الجوارح – عدم الكره والحقد والغل – كاظمين الغيظ – العفو عند المقدرة
ومن الآية الكريمة السابقة، تجد أن كاظمين الغيظ والعافين عن الناس، لهم أجر عظيم وارتبطت كذلك بالاحسان ( المحسنين )
إذن مما سبق، فإن كظم الغيض يوصلك للصلاح، وبنفس السياق، علامات الصالحين هو كظمهم للغيظ، فهي علاقة وثيقة مرتبطة ببعضها البعض
ولكن ! لماذا جعل الله -عزّ وجلّ-، الأجر العظيم في كظم الغيض، وربطها بالمتقين والمحسنين؟
ثانياً : أثر كظم الغيظ
كما تعلم عزيزي القارئ، أن النفس أمارة بالسوء، لذلك نسعى دائماً لتهذيبها وصلاحها
فتمر عليك في الحياة، العديد من المواقف التي تمتحن صبرك وحلمك، وتحاول أن تختبر ما في نفسك، وهنا يأتي دور صلاح النفس
فكما ذكرنا سابقًا، أن من علامات الصلاح هو كظم الغيظ، وذلك لما في كظم الغيظ أثر كبير، وحكمة بالغة من الله سبحانه
وأول الحكم هو التوكل على الله -جلّ وعلا-، والثانية هي عدم التسرع في اتخاذ قرارات في لحظة الغضب، والتي تكون غالبًا قرارات خاطئة تعود بالضرر عليك
والثالثة هي عدم فتح باب للشيطان، ففي حالة الغضب والتوتر تكون أسهل مايكون لوسوسة الشيطان، كما أنك تفقد الحكمة والتحكم أثناء غضبك فتفقد صبرك كذلك
وأما عندما تكظم هذا الغضب (الغيظ)، فإنك تسلم أمرك لله تعالى، وبالتالي تنجو وينصرك الله سبحانه
هذا أثر كظم الغيظ على الشخص، فما بالك عزيزي بأثره على المجتمع؟
في كظم الغيظ صلاح للمجتمع والأمة كافة، فكم من جريمة ارتكبت بسبب الغضب؟ وكم قرار خاطيء اتخذ في لحظة غيظ؟ وكم من فعل شر تم منبعه الغضب؟
ولكن لأن الله ربنا أرحم الراحمين، هو خالقنا ويعلم مافي صدورنا، يعلم سبحانه صعوبة هذا الأمر علينا (كظم الغيظ)، فجعل فيه أجر عظيم وجنةً عرضها السماوات والأرض
و ربطه سبحانه بالمتقين والمحسنين، كما أمرك بالاستغفار
انظر للآيات الكريمة التالية
ثالثاً : الاحسان والمحسنين
قال رسول الله -صل الله عليه وآله وسلم- : (( لا تدخلون الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم )) رواه مسلم
لا دين دون خلق حسن، ولا خلق حسن إلا بنشر المحبة، ولا محبة سوى بنشر السلام
إن الدين الإسلامي يحثنا ويعلمنا على مكارم الأخلاق، وافشاء السلام والمحبة بين الناس، قال تعالى :
وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
سورة النساء، آية ٨٦
ومن هنا تستشف أهمية المحبة في المجتمع وبين الناس، وما يترتب عليه من آثار، فبدون المحبة لا إيمان، وبدون الإيمان لا جنة
ونتيجةً لذلك، تستطيع أن تعلم أيضاً أهمية كظم الغيظ، والعفو عن الناس، ولماذا ربطها العلي القدير بالمحسنين
فأنت عندما تكتم غضبك الشديد وتصبر و تتوكل على الله، ابتغاء مرضاته وتنفيذاً لأوامره سبحانه، وحتى تعم المحبة في المجتمع والسلام
فإنك بذلك تحسن لغيرك من عباد الله تعالى، وتقدم الاحسان، لذلك قال تعالى (( والله يُحب المُحْسِنين ))
فيأتيك أمر الله رداً على صبرك واحسانك : (( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ )) سورة الطور، آية ٤٨
الخاتمة
هل أدلكم على أسهل الطرق لتكونوا من المحسنين؟ انظر آية (١٣٤) من سورة آل عمران
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
الانفاق في السراء والضراء – الكاظمين الغيظ وسيطرة الغضب في الصدر – تعفو عن خطئ غيرك – تفشي السلام وتبدء به
لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)
سورة المائدة
هنيئاً لحكيمٍ يفهم و يعقلها، جعلنا الله وإياكم من المحسنين
الله اعلم واحكم
ثامر 🌷🌷