المقدمة
من الذي أتى بعرش بلقيس ملكة سبأ من الأراضي البعيدة إلى سيدنا سليمان عليه السلام ؟
جواباً على هذا السؤال، نذكر وجهة نظرنا الخاصة في هذا المقال
وهي ليست بدراسة معتمدة، إنما هي من باب دراستنا لآيات الفرقان والإعجاز اللغوي ( الذي أتى يتحدى الجميع أن يُكتب نفسه ولو بآية )، ولدراستنا كذلك للديانات السماوية الأخرى .
أولاً : قصة بلقيس ملكة سبأ
نذكر بدايةً ما ورد في آيات القرآن الكريم، عن قصة ملِكة سبأ بلقيس وسيدنا سليمان -عليه السلام-، بشكل مختصر والتي ذُكرت في سورة النمل
ففي زمن سيدنا سليمان، كان هناك إجتماع، ولاحظ سيدنا سليمان -عليه السلام- غياب طائر الهدهد، عن هذا الجمع
فتساءل عن سبب غياب الهدهد وكيف تخلف عن جمع نبي الله، دون إذن أو مهمة تبرر هذا الغياب
ونتيجةً لذلك توعد عليه السلام الهدهد بالعذاب إن لم يأتي بعذر مبرر لغيابه
وعندما وصل الهدهد، حكى لسيدنا سليمان أنه قد وجد قوم في أرض اليمن تحكمهم امرأة، اسمها بلقيس
وقد زين الشيطان لهم أعمالهم، حيث أنهم يسجدون للشمس من دون الله -عزّوجل-
وهذا سبب غيابي وما لم تُحط به يا سيدي نبي الله سليمان، استاندات لما جاء في الآية الكريمة {{ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }} النمل؛ آية ٢٣
ونتيجةً لذلك، أرسل سيدنا سليمان عليه السلام، رسالة لملكة سبأ عن طريق الهدهد
نص الرسالة :
وكان نصها كما ورد في قوله تعالى :
” إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسلمين (٣١) ”
سورة النمل
هنا جمعت بلقيس كبراء قومها ووزرائه، واستشارتهم بماذا تصنع ؟
وبالتالي، دب الخوف فيهم وقالوا أن الملوك إن دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزها أذلة
وعليه، كان القرار أن ترسل هدية وأموال لسيدنا سليمان عليه السلام، وتنظر ماذا يكون الرد من المرسلين
فغضب عليه السلام من فعلها، وأراد أن يريها ما أتاه الله تعالى من مُلك وسلطان وحكمة وعلم
فجمع حشده مرة أخرى، وقال : ما أفضل شيء تحبه هذه الملكة ؟ قالوا : عرشها
قال : من يأتيني به ؟ فجاوب عفريت من الجن، أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك . والمعروف أن من أقوى المخلوقات الجالسين في هذا الجمع هم الجن
فكان الرد : في الآية رقم ٤٠ من سورة النمل
(( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ))
و فيما يلي نص آيات القرآن الكريم من سورة النمل، مما ورد فيها عن قصة سيدنا سليمان وعرش ملكة سبأ بلقيس
ثانياً : من أتى بعرش بلقيس ؟
وهنا نأتي لنقطة الخلاف، هناك من قال أن من لديه علمٌ من الكتاب هو آصف بن أرخيا، وهناك من قال أنه الخضر -عليه السلام-
ولكن ! لنا وجهة نظر خاصة نشرحها كالتالي ؛
في الآية الكريمة السابقة، آية ٤٠ من سورة النمل، كلمة ( قال ) تعود على من ؟
من الذي قال أنا آتيك ؟ الكاف في كلمة ( آتيك ) تعود على من ؟ جن ؟ إنس ؟ أم مخلوق آخر ؟
إن الله -جلّ وعلا-، قد اعطى واختص لسيدنا سليمان -عليه السلام-، نعم ما آتى أحد قبله فيها
مثل العلم والحكمة والمُلك، وتلك النِعم غير مجموعة بل مفصولة، بمعنى آخر كل هبه وهبها الله تعالى لسليمان مفصولة عن الأخرى، وإلا لما فصلها القرآن الكريم
مثال على ذلك
- العلم : إن العلم الذي وهبهُ الله تعالى لسيدنا سليمان اختص في كل العلوم التي لا يعلمها أحد من البشر، حيث قال تعالى :
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ(١٦) } سورة النمل
- المُلك : كان له عليه السلام المُلك على الجن والريح مسخرات لأمره وتعمل له، كما ورد فو قوله تعالى :
{ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(١٣)}
- الحكمة : أما بالنسبة للحكمه فقد جاء في قوله تعالى :
{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ *فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } الأنبياء ٧٨
حسناً نعود لحادثة احضار عرش بلقيس
كما اتفقنا، وذكرنا سابقًا، أن للقرآن الكريم إعجاز لغوي، وإعجاز غيبي، وبالنسبة للإعجاز العددي فهو غير معترف به
وعليه، عند الرجوع للآيات الكريمة في سورة النمل، من الراوي فيها ؟ إن الراوي فيها هو الله سبحانه وتعالى، يروي هذه الأحداث لسيد الخلق والبشرية محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام وآله – ولأمته من بعده
فالله تعالى يخاطب ويروي أن من لديه علم من الكتاب هو الذي قال آتيك بالعرش قبل أن يرتد لك طرفك
ثالثاً: من هو الذي لديه علم من الكتاب ؟
من وجهة نظرنا أن الذي لديه علم من الكتاب والذي أتى بعرش بلقيس هو سيدنا سليمان -عليه السلام-
نذكر مثال للتوضيح أكثر
على سبيل المثال، استاذ ثامر
لو سأل استاذ ثامر شخص، كم من الوقت تحتاج لتأتي ب ٣ لتر من ماء زمزم؟
يجاوب الشخص ب ٣ ساعات على سبيل المثال
يرد استاذ ثامر ويقول : والذي يأتيك بهم الآن في أقل من خمس دقائق، بمعنى آخر هنا استاذ ثامر يستعرض قوته أمام الشخص، ويقول له إن كنت ستأتي بالماء ب ٣ ساعات أنا آتي به ب ٥ دقائق
وعلى سبيل هذا المثال السابق، طبقه على ما حصل مع سيدنا سليمان -عليه السلام- مع العفريت من الجن
الختام
من المنطقي والبديهي، إن كان لسيدنا سليمان -عليه السلام-، ما وهبه الله تعالى له :
{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }
مُلك وعلم وحكمة، فكيف يأتي بشخص أعلى منه في جمعه ويتفوق عليه ؟
لذلك قال عليه السلام كما ورد في سورة النمل آية ٤٠ :
{ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }
شكر الله جلّ وعلا على ما وهبه من نعمة وعلم وحكمة ومُلك وسلطان، قد يهمك عزيزي القارئ مقال/الحياة بعد الموت
الله تعالى أعلم وأحكم
ثامر 🌷🌷