مما لا شك فيه، أن ذكر السمع والبصر والبصيرة جاء في آيات الفرقان، في العديد من المواضع
لكن ماذا جاء في آيات القرآن الكريم عما سبق، وما الفرق بين الثلاثة المذكورة؟
ومن خلال دراستنا وأبحاثنا في آيات كتاب الله عز وجل، نجيب من وجهة نظرنا فيما يخص ذلك في المقال التالي :
—————————————————————-
أولاً : آيات السمع والبَصر :
أولاً: نأخذ بدايةً الآيات الكريمة التي جاء بها ذكر البَصر، قال تعالى:
١- (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ). البقرة، الآية (17).
٢- (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ). الأنعام، الآية (103).
٣- (أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ). الأعراف، الآية (195).
٤- (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). الأعراف، الآية (179).
ثانياً: مما جاء من آيات الفرقان، في ذكر السمع، قوله تعالى:
١- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) الأنفال، الآية (20).
٢- (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ). الأنفال، الآية (21).
٣- (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ). الأنفال، الآية (22).
٤- (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ). الأنفال، الآية (23).
ثانياً : شرح المقصود بالسمع والبصر في الآيات الكريمة السابقة :
من سياق ما جاء في الآيات السابقة، نلتمس أن للسمع والبَصر استخدامات متعددة عند الله -عز وجل-
على سبيل المثال،
قال تعالى:
- (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ). يونس، الآية (43)
- (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف، الآية (179).
هذا يعني أن هناك فرقاً بين بصر العين (حاسة النظر)، وبصر البصيرة.
كذلك: (قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)، إن عدم السمع ليس الصّمم (أي فقد حاسة السمع)، لأنهم قالوا سمعنا.
إذن السمع والبَصر المذكوران في الآيات السابقة، ليسا سمع الأذن، ولا نظر العين.
للتوضيح أكثر …
ثالثاً : الفرق بين ( البَصر والبصيرة ) :
تجد عند الله تعالى، أن ليس من الضروري، أن تكون فاقداً لحاسة البَصر، حتى تسمى أعمى، ولا أن تكون فاقداً لحاسة السمع، حتى تسجل أصم.
لماذا؟
وذلك لأن الله عز وجل، يتكلم هنا عن رؤية إيمانية، تتعلق بالحس الوجداني، بالإيمان القلبي الداخلي، الذي لا تحتاج فيه حواسك المادية، لتؤمن به تعالى، وبما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا ما يسمى بالبصيرة. انظر مقال/هل تمتلك البصيرة؟ وكيف تحصل عليها؟
بمعنى آخر، الأعمى أعمى القلب وليس البصر ( كما تحدثنا في مقال : اتّباع النور والقلب في “الإيمان “… )، والأصم من سمع آياته تعالى ولم يؤمن، وفي نفس السياق : البصيرة هي المعرفة القلبية، والنور الداخلي في القلب، الذي يرشدك للحق وطريق الله تعالى.
رابعاً: بماذا شبه الله تعالى من لم يسمع ولم يبصر؟ :
قال تعالى:
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). الأعراف، الآية (179).
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ). الأنفال، الآية (22).
نلتمس هنا أن الكثير من البشر يرى ويسمع ويتكلم، لكن عند الله تعالى سجل أصم وأبكم، قلبه غافل مغلق، حواسه مختومة عن الإيمان. هؤلاء شبههم الله تعالى بالأنعام، بل هم أضل. وفي موضع آخر شبههم بالدواب، ولكن شر الدواب، وليس أي دواب.
وقبل كل شيء، لاحظ أن الله تعالى، قد وصفهم بالأنعام (صنف من أصناف الحيوانات)، أي وضعهم -جل وعلا-، في خانة الحيوانات ( لا يعقلون ) .
بمعنى آخر، هؤلاء مهما أتتهم من آيات، لن يؤمنوا، لأن الله -عز وجلّ-، قد ختم على قلوبهم، بسبب تكرار كفرهم وعصيانهم
قال تعالى: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ). الأنفال، الآية (23).
في الختام :
ليس كل من يسمع يطيع الله ورسوله، ويؤمن، وليس كل من يرى يبصر، لديه البصيرة (البصيرة محلها القلب).
باختصار : من في قلبه الإيمان، لا يحتاج حواسه ليؤمن.
وقد قال تعالى: (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى). طه، الآية (125-126).
إذن يحشرهم الله تعالى بحسب بصيرتهم في الدنيا.
الله تعالى أعلم وأحكم.
ثامر
المصدر : محبين الفلك والجفر مع ثامر
اقد يهمك مقال / ما يجب أن تعرفه عن القلب والفؤاد ، كذلك مقال / اتّباع النور والقلب في “الإيمان “…