من هم أصحاب الرس؟ لماذا اختلف ترتيب الأقوام في القرآن الكريم؟
أولا: المقدمة
سنتناول في هذا المقال أصحاب الرس، وسبب تسميتهم بهذا الاسم، كما سنتطرق للحديث في ترتيب الأقوام الزمني للخلق.
كما سنوضح ترتيب الأقوام المغاير للترتيب الزمني للخلق ونبين الإشكال فيه.
وسنعرض رؤيتنا الفلسفية ووجهة نظرنا الخاصة في الإشكال الواقع في بعض آيات القرآن الكريم المتعلقة في ترتيب الأقوام.
ثانيًا: التساؤل عن أصحاب الرس يقودنا لمسألة مهمة/ أصحاب الرس وترتيب الأقوام
يتساءل البعض عن أصحاب الرس ففي الآية (٣٨) من سورة الفرقان.
قال الله تعالى: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا﴾
من هم أصحاب الرس؟
هذا التساؤل يقودنا لمسألة مهمة أهم من معرفة منهم أصحاب الرس…
كما إن هذه المسألة تطرقنا لها في السابق وكانت محور للعديد من التساؤلات.
نجد أن ما يغلب على طابع تلك الآيات الكريمة في القرآن الكريم هو الترتيب على حسب الحقبة الزمنية للخلق.
كما في قول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية (56) من سورة الذاريات.
فمباشرةً يذهب جمهور العلماء في التفسير للقول بأن الله ذكر الجن قبل الإنس لحكمة؛ وهي أن الجن قبل الإنس بالخلق، وهذا الأمر صحيح كما أُثبت في سورة البقرة.
بالإضافة إلى أن الآيات ذكرت عند الحديث عن الخلق، الملائكة أولًا وبعدها ذكرت الجن ثم بعد ذلك ذكرت الإنسان.
يرجع ذلك لأن الملائكة قبل الجن في الخلق، وهو صحيح أيضًا كما أُثبت في سورة البقرة.
ولكن هنالك بعض الآيات القرآنية التي تقودنا لتساؤلات مهمة في ترتيب الخلق…
ثالثًا: اختلاف الترتيب الزمني للأقوام
قال الله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ(14)) سورة (ق)
ذُكرت الأقوام السابقة كما ورد في الآيات، حيث قال الله تعالى، كذبت قبلهم قوم نوح، وأصحاب الرس وثمود، وعاد وفرعون وإخوان لوط، وأصحاب الأيكة وقوم تُبع.
هنا نلاحظ المسألة المهمة التي تثير العديد من التساؤلات حول الترتيب الزمني للأقوام.
كما نلاحظ في سياق الآية ذكر النبي لوط وإخوانه عليهم السلام ومن حقبة لوط النبي إبراهيم عليه السلام.
ومن المتعارف عليه أن من بعد نوح وأبنائه عليهم السلام يأتي إبراهيم، قبل فرعون، وقبل الأقوام السالف ذكرها في الآية.
وبالتالي إن هذه الآية أثارت إشكال في تسلسل العملية الترتيبية الزمنية للأقوام.
بالإضافة إلى وجود آيات أخرى تحمل نفس الإشكال في ذكر تسلسل الأنبياء مثل سورة الصافات.
قال الله تعالى في سورة الصافات:
(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) الآية (75).
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ) الآية (114).
(وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ) الآية (133).
نجد أن في سوره الصافات بدأ الله عزَّ وجلَّ بالنبي نوح عليه السلام، ثم انتقل إلى ما بعده من الأقوام مثل موسى وهارون قبل لوط عليهم السلام.
وهذا نفس سياق تسلسل الترتيب في الآية السابقة في سورة (ق)، فذكر الله عزَّ وجلَّ في سورة الصافات موسى وهارون قبل لوط.
على الرغم من أن الجميع يعلم بأن موسى جاء بعد لوط حسب الترتيب الزمني للأقوام، والله أعلم وأحكم أن ذلك هو الصحيح.
لكن من الملاحظ أن الله عزًّ وجلَّ كرر ترتيب الأقوام، في الآيات المختصة بعذاب الأقوام تقريبًا بشكل ثابت.
حيث إن هناك بعض الأنبياء جاء ذكرهم قبل إبراهيم ولوط وهم بالتسلسل الزمني المتعارف عليه يأتون بعدهم في ترتيب الأقوام.
رابعًا: الرؤية الفلسفية لترتيب الأقوام والإشكال فيه
بدأ ت آيات سورة (ق) بقول الله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح، فبدأ الله جلَّ في علاه بالنبي نوح والطوفان، وأصحاب الرس وثمود، إلى هنا الترتيب الزمني صحيح.
عندما تكمل الآيات تجد ذكر عاد وفرعون وإخوان لوط، ومن المتعارف عليه أن ابراهيم ولوط عليهم السلام جاؤوا قبل فرعون.
ولكن في سياق الآيات الكريمة تم ذكرهم بعد فرعون ونبي الله موسى عليه السلام، أي كأن موسى جاء قبل إبراهيم ولوط عليهم السلام وليس العكس.
كذلك نرى إعادة تكرار العذابات في الآيات، كما في سوره الصافات فنجدها تقريبًا بنفس ترتيب الأقوام في آيات سورة (ق).
بدأت بنبي الله نوح وطوفانه، ثم موسى وهارون أي قوم فرعون ثم لوط عليهم السلام.
بالإضافة إلى سورة الفجر، حيث ذكر الله تعالى قوم عاد وثمود ثم فرعون، فلم يذكر ابراهيم ولوط بعد عاد وثمود، بل ذكر فرعون.
كما في الآيات التالية حيث قال الله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) الآية (6).
(وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) الآية (9).
(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) الآية (10).
رؤيتنا الفلسفية…
استخلصنا رؤيتنا الفلسفية في ترتيب الأقوام، بأن الله عزَّ وجلَّ يرتب الأقوام على حسب المرحلة الزمنية من ناحية، ومن ناحية أخرى يرتبهم على حسب شدة العذاب.
ونشأت فلسفتنا تلك لأننا لم نجد إجابة مقنعه، لتفسير الإشكال الواقع في ترتيب الأقوام في بعض الآيات الكريمة.
ولربما أنك تقرأ لأول مرة هذه الرؤية الفلسفية لنا، والتي توضح الإشكال الواقع في الترتيب الزمني للأقوام في بعض آيات القرآن الكريم.
كما إن هذا الإشكال في ترتيب الأقوام لن تجد من يوضحه لك، فلم يصل أحد لطرحه بعد.
فكانت رؤيتنا الفلسفية تختصر في نقطتين أو فلسفتين، الأولى وهي الفلسفة الضعيفة، هي أن تعتبر فرعون قبل لوط بالنسبة للمرحلة الزمنية.
أما الفلسفة الثانية وهي الأقوى والأفضل والأوضح في المعنى، والله عزَّ وجلَّ هو القوي العليم الحكيم، فكلام الله لا يحمل صفة العشوائية.
فجعل الله عزَّ وجلَّ ترتيب الأقوام نسبةً لعملية العذاب وقوته، كما رتبهم على الأقدمية في الخلق والترتيب الزمني في الذكر، فكان ترتيبهم حسب نوع العذاب.
خامسًا: أصحاب الرس
من هم أصحاب الرس من وجهة نظرنا …
الرس باللغة العربية هو البئر، وقد ورد أن موقعهم إما بشرق آسيا، أو آسيا الوسطى، أو بالشمال الشرقي من القارة الآسيوية.
فتجد أن في غرب آسيا تقع بلاد الشام، وهم يقعون على الشمال الشرقي لبلاد الشام.
بالإضافة إلى أن أصحاب الرس، كان لديهم بئر خاص فيهم، وكانوا مشهورين بهذا البئر في منطقة تشح فيها المياه.
وهم كالأقوام السابقة لم يؤمنوا بالله عزَّ وجلَّ، فأتاهم غضب الله، كمثل قوم عاد وثمود.
الله سبحانه وتعالى يشتد غضبه على الأقوام عندما يفضلهم بشيء ما، فينكروا فضله ولا يؤمنوا به.
كما حصل مع أصحاب الرسل، فقد فضلهم الله ببئر مياه في منطقة تشح بها المياه، ليجعل الله لهم سلطة وسيطرة على تلك المنطقة ومن فيها.
وما كان منهم إلا أن جحدوا فضل الله عليهم، رغم النعم التي أنعم الله عليهم بها، وعندما أرسل لهم الأنبياء لم يؤمنوا به، فحق عليهم عذاب الله.
وتتضح العبرة من أصحاب الرس، حينما يفضلك الله بالنعم، وتنكر فضله، فيحق عليك عذابه.
سادسًا: الخلاصة
تعرفنا من هم أصحاب الرس، كما تناولنا العديد من الآيات السالف ذكرها في الأعلى، لترتيب الأقوام والإشكال فيه.
لنستخلص الرؤية الفلسفية، ووجهة نظرنا الخاصة، التي تنص على إن سبب هذا الترتيب المغاير للمتعارف عليه في الترتيب الزمني لخلق الأقوام.
يرجع إلى …
سرعة وعدد تجاوز الحدود الزبرية، لأن الله عزَّ وجلَّ أوضح العذاب باقترانه بالزبر، وحدوده، وقوانينه.
الله أعلم وأحكم
ثامر🌷🌷